الجزارة الدولية لتقسيم السودان

الجزارة الدولية لتقسيم السودان

الأخبار

الأربعاء، يوليو ٢٧، ٢٠١١

هل لدينا حقا تنمية إدارية؟!



بقلم : د. أحمد سيد مصطفي
هل نتفق على أن المشكلة المصرية ادارية بالأساس؟ أعتقد أنه لن يصعب علينا ذلك، فمصر بلد غني بموارده من بشر ونيل وسواحل طويلة على بحرين وموقع استراتيجي يتوسل العالم وبترول وغاز ومعادن وآثار فريدة فرعونية ورومانية وقبطية واسلامية ومناخ معتدل نسبياً وما تبقى من ارض زراعية، وبرغم هذا الثراء فنحن فقراء! فقراء في ادارة هذه الموارد، وبينما تفتقر اليابان لهذه الموارد إلا أنها دولة ثرية للغاية، أرجوك ان تتأمل هذا لتدرك ان السبب مزدوج يتمثل في الفرق بيننا وبينهم في قيم البشر وفي مهارة الادارة.

والتنمية الادارية هي الجهود المخططة المستمرة لتنمية أو تطوير قدرات (معارف ومهارات( واتجاهات وسلوكيات المديرين بمختلف مستوياتهم لاثراء الاداء الاداري وتعزيز كفاءة وفاعلية المنظمة (الحكومية او الخاصة) لمواجهة تحديات قائمة ومتوقعة، وتتعدد روافد التنمية الادارية لكن الرافد الرئيس فيها هو التدريب والتطوير، أما التدريب فيهدف لانشاء وتعزيز اداء الموظف في وظيفته الحالية، وأما التطوير فيهدف لإعداده لشغل وظيفته المستقبلة، ويلي ذلك في الأهمية البحوث والاستشارات المعنية بتطوير قدرات المديرين وتطوير الهياكل التنظيمية وتبسيط الاجراءات وتحسين بيئة العمل، ومن ثم يعد التدريب والتطوير محورين ومدخلين متكاملين اساسيين للتنمية الادارية.

في عالم يموج بتحديات سياسية اقتصادية وبضرورب المنافسة والحروب التجارية، لم تعد جيوش الدولة مقتصرة على تلك الجماعات النظامية من الضباط والجنود المسلحين بالمدرعات والطائرات والصواريخ وغيرها، بل تعدى الأمر ذلك الى تلك الجيوش من المديرين من صناع القرارات والباحثين المبتكرين والمخترعين، هذا هو دور البشر في المجتمعات المتقدمة، والسبيل لبناء هذا النوع من البشر هو سبيل مركب من التعليم والبحث العلمي والثقافة، وهذا يجب أن يكون هدفاً استراتيجيا مصريا تتكاتف على بلوغه عدة اطراف رئيسة هي: الأسرة والدولة ممثلة في وزارات وتشريعات الثقافة والاعلام والتعليم والتعليم العالي والبحث العلمي والصحة.

لكن هذا السبيل بطبيعته طويل الاجل، وهناك سبيل أقصر أجلاً وأيسر بلوغا لو توفر له اهتمام أولي الأمر، وخصصت له الموارد اللازمة، إنه التنمية الادارية لما يتواجد الآن من مديرين يشغلون مواقع القيادة في الوزارات والهيئات وحيث يمكن تحويل معظمهم من مجرد مديرين بحكم اقدمياتهم او قرارات تعيينهم الى مديرين يتمتعون بمعارف ومهارات ادارية عصرية تهيئ سياسات وقرارات سليمة تُسهم في حلول قصيرة الأجل للمشكلة المصرية.

إن هذا التوجه لا ينفي وجود كفاءات ادارية مصرية في مواقع عديدة لكنها ليست بالكم المطلوب، ولا ينفي ان لدنيا مركزين لإعداد القادة للقطاع الحكومي وقطاع الأعمال ولدينا المعهد القومي للادارة (أكاديمية السادات)، لكن كل هذا مع احترامي لم يف بالمطلوب حتي الآن، حيث يتراجع مركز مصر في دليل التنافسية العالمية، لكن المطلوب هو تأليف جهود هذه المراكز وفق أهداف واستراتيجيات وممارسات أفعل للتنمية الادارية، ويمكن في هذا الصدد الافادة من تجارب ناجحة في فرنسا «المدرسة القومية للادارة» والهند «معهد احمد أباد» وبريطانيا وغيرها مما لا يتسع المجال لذكره.

وإذا كانت الجيوش العسكرية تنمي قدراتها بالتدريب والتطوير والمناورات، باعتبار ذلك ضروريا وحتميا لاستمرار التأهل لاداء وظائفها، فكيف يكون الأمر بالنسبة لجيش المديرين؟ إن جيشا من المديرين مهما عظم حجمه لن يجدي طالما افتقر لمقومات التمكن في الادارة وصنع القرارات وافتقر الى سلاح تكنولوجيا المعلومات ضمن تكنولوجيات الادارة المعاصرة، يحتاج جيش المديرين الى تدريب وتنمية مستمرة للمعارف والمهارات والاتجاهات والسلوكيات، يحتاج الى تنمية تعزز اداءه الاداري في المجالين الحكومي والخاص بما يسهم في خلق وتعزيز تنافسية الاقتصاد المصري، وهذا ما يعرف بالتنمية الادارية.

وتقوم برامج التنمية الادارية على قاعدة معلومات تعكس تحليلاً مستمراً للمتغيرات في البيئتين الداخلية والخارجية للمنظمة الحكومية او الخاصة، أما تحليل المتغيرات في بيئة المنظمة الداخلية فيهدف لتشخيص قدرات «معارف ومهارات» واتجاهات وسلوكيات المديرين لتحديد نقاط الضعف كأساس لتطويرها، واما تحليل المتغيرات في البيئة الخارجية فيرمي الى ترجمة المتغيرات البيئية بما تضمه من تحديات تنافسية «بات كثير من المنظمات الحكومية يعمل في منافسة» الى برامج للتنمية الادارية لتعزيز قدرات المديرين على الوفاء برغبات وتوقعات الناس إما كجماهير من طلاب الخدمات الحكومية أو عملاء لشركات القطاع الخاص في مصر وخارجا ضمن منافسة عالمية، وبالنسبة للمنظمات الحكومية التي لا تواجه منافسة، فالهدف هو الوفاء برسالة المنظمة الحكومية في تقديم خدمات فاعلة تواكب التطور المستمر في توقعات طلاب الخدمة وترقي الى معايير الخدمة المتميزة.

لقد حفلت الحكومات المصرية بوزارات للتنمية الادارية منذ اواخر السبعينيات وتعاقب وزراء كثر ممن شغلوا هذا المنصب، فكيف كانت النتيجة؟ لم تكن مشجعة، فالشكوى من تواضع جودة الخدمات الحكومية مستمرة، حتي لقد ظهر المثل الشعبي «يوم الحكومة بسنة» كما تنخفض جدوى الانفاق الحكومي، وهناك سببان رئيسيان وراء ذلك، أما الاول فهو تولية بعض مديرين يفتقرون لمهارات الادارة، وأما الثاني فهو فساد بعض شاغلي المناسب الحكومية، فكان الفساد مع قصور كفاءات مديرين حكوميين بدءا من مستوى وزير وانتهاء بمدير ادارة من جانب آخر كانا من اسباب ثورة 25 يناير 2011.

ومن ثم فإن استجابة اولي الامر الآن ومستقبلا لمطالب الشعب الذي ثار يجب ألا تغفل التنمية الادارية لمديرين بدءا من الوزير وحتى المدير الصغير، وليس عيباً ان يسعى الانسان مهما علا قدره للتعلم والاستزادة، والخبرة وحدها ان توفرت لا تكفي، فالجديد في تكنولوجيا الادارة وادواتها الفاعلة لا يتوقف ومن الممكن لمديرين لاسيما في المستويات الاعلى أن يسعوا لحضور مؤتمرات وندوات علمية في الادارة في الداخل والخارج، إنها نصيحة أرجو ألا تثير حساسية البعض، فكلنا يحتاج للاستزادة ان نتائج التنمية الادارية الحقيقية لابد وأن تتضمن تحسينا لجودة القرارات، «فالقرارات هي جوهر الادارة» وتبسيطاً للاجراءات ورفعا لجودة الخدمات، ناهيك عن تعزيز تنافسية شركاتنا واقتصادنا القومي، دعونا نتفاءل بمستقبل أفضل، والله الموفق.

*أستاذ الإدارة - جامعة بنها



اقرأ المقال الأصلي علي بوابة الوفد الاليكترونية هل لدينا حقا تنمية إدارية؟!

ليست هناك تعليقات: